الاثنين، 28 أكتوبر 2013

نظريات الإعلام في الدول النامية


         
         إذا كانت نظريات الإعلام الغربية قد ركزت على الحقوق والحريات والتأثيرات السياسية لوسائل الإعلام، فأن النظريات التي اهتمت بتفسير واقع الأنظمة الإعلامية في دول العالم الثالث أو الدول النامية، قد ركزت على طبيعة الدور الذي ينبغي أن تسهم به وسائل الإعلام في تحقيق التنمية الشاملة والمستقلة، وتبرز في هذا الإطار نظريتان أساسيتان : 

اولاً-النظرية التنموية :


صحافة التنمية كما يعرفها "ليونارد سوسمان" هي تركيز الصحفيين الموضوعيين على أخبار أحدث التطورات في مجالات التنمية المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى نجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الوحدة الوطنية.

وتتطلب صحافة التنمية من الصحفي كما يقول "ناريندر أجاروالا" أن يتفحص بعين ناقدة ويقيّم ويكتب عن مدى ارتباط المشروع التنموي بالحاجات المحلية والقومية ويتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف بين آثارها على الناس في تصريحات المسئولين وبين آثارها الفعلية، ونلاحظ هنا التناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة في خدمة التنمية، وبين الدور الرقابي للصحافة في ظل السيطرة الحكومية بتراجع النقد وتتحول أخبار التنمية إلى دعاية سياسية للحكومة وقيادتها.

ووفق هذه النظرية تتلخص مهام وسائل الإعلام في عملية التنمية في النقاط التالية:

أ- تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية.

ب- مساعدة المواطنين على إدراك أن الدولة قد قامت بالفعل على أداء التزاماتها على الوجه الأكمل.

ج- انتهاج سياسات تقررها الحكومة بهدف المساعدة في تحقيق التنمية الوطنية.

د- تشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والسياسات الحكومية مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية ويدعم مركزها.

هـ - الإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي من خلال تجنب الصراعات السياسية والاجتماعية وإحباط أصوات التشرذم والتفرقة والتخفيف من التناقضات في القيم والاتجاهات بين الجماعات المتباينة.

و- المساعدة في الاستقرار والوحدة الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية.

ز- إبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات وتقليل حجم النقد إلى حجمه الأدنى.


وتأسيساً على ذلك تبرز قضية سوء استخدام صحافة التنمية خاصة في إطار الاحتكار الحكومي للصحف، حيث تتحول طاقات الصحف لخدمة هدف تدعيم مركز السلطة السياسية وتصبح أهداف التنمية الوطنية ذات أهمية ضئيلة، وتتحول حرية الصحافة كما يشير "جراهام مايتون" لتبدو نوعاً من الترف الفكري في نظر المتحمسين لمفهوم صحافة التنمية، ويوضح فاروق أبو زيد أنه في الدول العربية التي ادعت ضرورة توجيه الصحافة لخدمة التنمية والقضايا القومية انتهى الأمر بتوظيف الصحف لتدعيم النظام السياسي الحاكم والترويج لأفكاره والدفاع عن سياساته.

وهكذا فلم تلبِ هذه النظرية واقع الأنظمة الاتصالية في دول العالم الثالث، الأمر الذي يؤكد الضرورة إلى صياغة نظريات جديدة من إنتاج مفكري العالم الثالث، بحيث تخاطب الواقع بمفهومه وتعقيداته المتشابكة.

ثانياً- نظرية التبعية الإعلامية :


ظهرت هذه النظرية في دول أمريكا اللاتينية، في حقبة ما بعد الاستقلال، كرد فعل لإخفاق نظريات التحديث الغربية في تفسير أسباب التخلف في الدول النامية، وتتلخص في أن ما تقدمه الدول الصناعية من تكنولوجيا إعلامية وأنظمة وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلامية للدول النامية لاستهلاكها يعمل على صنع وتعميق التبعية الإعلامية لهذه الدول، وزيادة اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة

ويقول أهم منظري هذه النظرية "شيلر وماتللارات وبويد باريت" أن هذه التكنولوجيا والأنظمة والممارسات الإعلامية المنقولة من دول العالم المتقدم تعمل على تشويه البنيات الثقافية في دول العالم النامي، وتسهم في إحداث سلبيات عديدة مثل خلق الثقافة المهجنة والتغريب الثقافي والغزو الثقافي، وفي هذا الإطار جاءت جهود منظمة اليونسكو التي أسهمت في تقديم منظور نقدي يتميز بالشمول والموضوعية في محاولة لتجاوز الرؤى الجزئية التي تسعى إلى تسييد الرؤية الغربية في الإعلام والاتصال، مما ترتب عليه تجاهل وإغفال الحقوق الاتصالية لشعوب الجنوب، ولقد حرصت لجنة "ماكبرايد" على طرح تصور شامل يتضمن رؤية ومطالب دول الجنوب في مجال الاتصال والإعلام حيث أبرز تقريرها ضرورة المبادرة إلى تطوير المفهوم التقليدي السائد عن سياسات الاتصال والعمل على تغيير الهياكل الاتصالية السائدة والأخذ بالنظام المفتوح في الاتصال الذي يتيح إشراك الجماهير في العملية الاتصالية، وتكشف لنا النظرة المتعمقة لتجارب العالم الثالث حقيقة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام بصورة خادعة ومضللة ومستهدفة في الأساس إضفاء الشرعية على السياسات الاستبدادية للسلطات السياسية الحاكمة، واعتمادها على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات، إلى جانب القوى المحلية ذات النفوذ السياسي والاقتصادي.

نخلص مما سبق إلى أن نظرية التبعية الإعلامية قد أعطت اهتماماً متزايداً للأبعاد الثقافية والتاريخية والدولية في تفسيرها للعلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة السياسية ودورها في إطار التبعية الإعلامية والغزو الثقافي.

إلا أنه يؤخذ عليها مبالغتها في تقدير أهمية المتغيرات الخارجية وتأثيرها في الأنظمة والسياسات الاتصالية لدول العالم الثالث، الأمر الذي يقلل كثيراً من أهمية المتغيرات الداخلية فبالرغم مما تمثله الضغوط الدولية من أهمية إلا أن صياغة السياسات الإعلامية مسؤولية وطنية في المقام الأول ويفترض فيها أن تعكس الإرادة الشعبية تصون الذاتية الثقافية.

وأياً كأن الأمر فإن نظرية التبعية الإعلامية في حاجة إلى جهود جديدة لمراجعتها على ضوء المتغيرات الدولية التي برزت في أواخر الثمانينيات، ابتداءً بانهيار الشيوعية وسقوط القطبية الثنائية ومروراً بالنظام العالمي الجديد، وما سمي بعولمة الاقتصاد والسياسة، وانتهاءً بالثورة التكنولوجيا في عالم الاتصال، والحديث عن عولمة الثقافة وصراع الحضارات.

ويمكننا أن نحدد الأنظمة الإعلامية السائدة في العالم الثالث على النحو التالي:

1- نظام إعلامي يقع تحت سيطرة الدولة في إطار مفهومي التنمية والوحدة الوطنية والرقابة تكون صارمة على المضمون.

2- نظام إعلامي موجه من الدولة: تكون الوظيفة الأساسية للصحافة تعبئة الجماهير من أجل التنمية وتدعيم الوحدة الوطنية فتحل المسؤولية القومية محل المسؤولية الاجتماعية.

3 - نظام إعلامي مستقل تتمتع فيه الصحافة بقدر من الحرية بعيداً عن التدخل المباشر للحكومة وتستطيع الصحافة في ظله أن تظهر استقلالية عنيفة في مواجهة الضغوط الحكومية.

ولعل هذا التصنيف أكثر مرونة في تصنيف الأنظمة الإعلامية في العالم الثالث، فمن الصعب إخضاعها لتصنيفات جامدة نظراً لما تتضمنه من تناقضات وتعقيدات.

ثالثاً:النظام الصحفي العربي:


تنفرد الصحافة العربية بموروث سلطوي فريد بحكم نشأتها في أحضان السلطة، وتطبيق ما أحدثه الاستعمار وخلفه من قيود وممارسات معادية لحرية الصحافة وقد أنعكس هذا المورث السلطوي بشكل واضح على التشريعات والسياسات والممارسات لدرجة التطابق بين الأنظمة الصحفية والأنظمة السياسية، والتعامل مع ما ينشر في معظم الصحف العربية على أنه يمثل وجهات النظر الرسمية للحكومات العربية، وسنحاول تحديد أبرز ملامح الأنظمة الصحفية العربية من خلال بعض الدراسات التي تناولت قوانين المطبوعات والصحافة العربية والعلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية وتطور الصحافة العربية خلال مرحلتي الاستعمار والاستقلال، ففي دراسة فاروق أبو زيد للأنظمة الصحفية العربية التي اعتمدت تحليل مضمون 16 قانون للمطبوعات في بلدان عربية مختلفة ،خلصت الدراسة إلى أن النظام الصحفي السلطوي يشكل الاتجاه الغالب على الأنظمة الصحفية العربية إلا أنه لا يوجد نظام صحفي عربي نقي، حيث تتداخل خصائص الأنظمة الليبرالية والسلطوية والاشتراكية نتيجة الخلط القائم في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربية.

وفي محاولة لتطبيق نظريات الصحافة الغربية على واقع الصحافة العربية توصلت الدكتورة عواطف عبد الرحمن إلى أن هناك كثيراً من أوجه الشبه بين النظرية السلطوية وممارسات الصحافة العربية، وعلى الرغم من وجود بعض التشابه بين النظرية الاشتراكية وبين الأوضاع الإعلامية العربية إلا أنها ترى أنه من العسير أن لم يكن من المستحيل تعميم هذه النظرية.

أما النظرية الليبرالية فأنها لا تصلح للتطبيق على الصحافة العربية ولا تلائم الواقع السياسي والاقتصادي العربي الراهن حيث تسود الأمية والفقر والتخلف الاجتماعي مع شيوع الأنظمة الأوتوقراطية المتسلطة.

ويوضح حماد إبراهيم أن النظام الصحفي السلطوي هو النظام السائد في الوطن العربي، حيث يبرز احتكار السلطة السياسية للنشاط الإعلامي والصحفي ولا تتسع أغلب الصحف العربية إلا لوجهات النظر الرسمية والارتفاع بمكانة صانع القرار المركزي والترويج لسياسات السلطة والتشكيك في الخصوم أو المعارضين السياسيين وتشويه صورتهم أمام الرأي العام.

وفي دراسة لدور وسائل الاتصال في صنع القرارات في الوطن العربي انتهى بسيوني حماده إلى أن هناك فجوة حقيقية بين النظامين السياسي والاتصالي، وأن هذه الفجوة لا تلغي التبعية، وأرجع هذه الفجوة إلى ميل النظام الاتصالي إلى الإثارة والمبالغة وعدم القدرة على التعبير عن الرأي العام، وغياب المعلومات الموثوق بها من جانب السلطة السياسية وعدم اهتمام صانعي القرارات بقراءة ما تنشره الصحف والنظر إلى الاستجابة لمطالب نظام الاتصال على أنه ضعف من السلطة السياسية.

نخلص من ذلك إلى أن أزمة حرية الإعلام والصحافة في الوطن العربي لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية حيث تسود الأنظمة السلطوية التي تضع كل السلطات في يد رئيس الدولة سواء كان ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً أو أميراً، وفي غياب التنظيمات السياسية الشعبية والديمقراطية وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحولت معظم الصحف العربية إلى أجهزة حكومية مهمتها الدعاية لأنظمة الحكم وتعبئة الجماهير وحشدها لتأييد سياساتها وممارساتها.

ورغم ما شهدته بعض الدول العربية من تحول إلى نظام التعددية السياسية والصحفية إلا أن الأنظمة الصحفية في تلك الدول لم تتحرر حتى الآن من تراث النظرية السلطوية، حيث تهيمن الحكومة على الصحف المركزية الرسمية، وتمارس أشكالاً مختلفة من التنظيم والسيطرة مثل التحكم في تراخيص إصدار الصحف وتعيين رؤساء التحرير وتوجيه السياسات التحريرية والتحكم في تدفق المعلومات والإعلانات، علاوة على القيود القانونية التي تجيز مراقبة الصحف ومصادرتها وتعطيلها وحبس الصحفيين إذا تجاوز حق النقد الحدود المرسومة له.

وإن كان من الطبيعي أن تسود أنظمة صحفية سلطوية في تلك الدول ذات أنظمة الحكم الوراثية والأوتوقراطية فأنه من غير المقبول أن تستمر المفاهيم الصحفية السلطوية في تلك الدول التي تأخذ بالتعدد الحزبي وتتبنى المفاهيم الإعلامية والصحفية الحديثة.