السبت، 19 أكتوبر 2013

الرأي العام و العملية الإعلامية

الرأي العام و العملية الإعلامية 


المقصود هنا بتحديد الرأي العام لشكل عملية الاتصال الإعلامي، هو دراسة العلاقة بين الرأي العام،وشكل العملية الإعلامية، وحتى نتعرف على هذا فإننا سوف نتعرف على العلاقة التي بين الرأي العام والعملية الاتصالية، بصفة عامة، ثم نتعرف على أهمية الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية، وأخيراً دور الرأي العام في تحديد الوسيلة الإعلامية المناسبة لكل جمهور، ولكل وقت من الأوقات، ولكل مكان من الأماكن. 

فالرأي العام يلعب دوراً خطيراً في التحكيم في العملية الإعلامية من حيث شكلها و مضمونها ؛ وسوف نتعرض للعلاقة بين الرأي العام وشكل العملية الإعلامية، ثم نتعرف على العلاقة بين الرأي العام ومضمون العملية الإعلامية، أي كيفية تأثيره، ومدى تحكمه في تحديد وتوجيه السياسة الإعلامية في المجتمع. 

وحتى يمكن معرفة علاقة الرأي العام بشكل العملية الإعلامية، لابد أن نتعرض لعلاقته بالعملية الاتصالية بداية، فالمعلوم أن الاتصال هو الأوسع أو الأكثر عمومية من الإعلام، فما الإعلام إلا شكل من أشكال الاتصال، أو إحدى عملياته، لأن الاتصال مفهوم أكثر اتساعا، حيث يبدأ بالاتصال الذاتي، الذي هو الأساس في كل عملية اتصالية إعلامية أو غير إعلامية، وربما أغفل البعض الاتصال الذاتي، أو رأوا أنه غير هام، وهو عملية الإدراك والفهم وصياغة الأفكار، ولكن هذه العملية هي البداية، فالإنسان لا يتصل بغيره من الناس في حالة ما إذا بدأ هو بالاتصال، إلا بعد التفكير، كما أنه لا يفهم من يتصل به إلا بعد التفكير أيضا، و يلي ذلك الاتصال الشخصي ثم الجمعي، ثم الاتصال الجماهيري الذي هو الصورة البارزة للإعلام، ولابد من التأكيد على انه لا يستغنى عن الاتصال الذاتي ولا الشخصي ولا الجمعي فكل نوع من هذه الأنواع في خدمة النوع الآخر. 

أما الاتصال كمفهوم عام فهو عملية التفاهم بين البشر، أو حتى بين البشر وغيرهم من المخلوقات، بأي وسيلة من الوسائل سواء كانت اللغة أو الإيماءة أو الإشارة أو الحركة أو الضوء أو غير ذلك من الوسائل، لتحقيق هدف عام أو خاص، لذلك سوف نبدأ في التعرف على العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية بصورة عامة .


1- العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية عامة :


تتلخص العملية الاتصالية الإعلامية في عناصرها التي جمعتها العبارة القائلة (( مَن، يقول ماذا، لمن، وبأي وسيلة، وما هو التأثير؟ )) وتفسير هذه الأركان هي : المرسل – الرسالة – الوسيلة – المستقبل، ثم رد الفعل الذي ينتج عن التأثير والذي يكمل الدائرة الاتصالية. 

وبقدر حدوث التوافق بين هذه الأركان الخمسة للعملية الاتصالية، بصفة عامة، والإعلامية منها بصفة خاصة، بقدر حدوث تحقيق الهدف من الاتصال، وذلك لأن أي اتصال لابد له من هدف، وإلا لما بدأ من حيث البداية، وإذا بدأ فما كان هناك دافعا إلى الاستمرارية في القيام بالعملية الإعلامية، وإذا حدث هذا فما كان هناك دافعا إلى عملية التلقي أو الاستقبال .

ومعنى حدوث التوافق بين أركان العملية الاتصالية، هو فهم المرسل لهدفه من القيام بالاتصال، وبالتالي فهمه لرسالته، وللوسيلة المناسبة للرسالة، والمناسبة له كمرسل من حيث الإمكانيات والقدرة على الاستخدام الواضح، إن لم يكن الأمثل، ثم مدى التوافق بين الرسالة والوسيلة والجمهور، وإذا توافقت هذه العناصر الأربعة كلها، أدى هذا إلى التأثير، وبالتالي إلى رد الفعل الذي يؤدي بالمستقبل إلى أن يصبح مرسلاَ، والمرسل إلى مستقبل وهكذا تدور عجلة الاتصال، وتستمر في الدوران .

ولابد هنا أن نقف على حقيقتين هامتين :

الأولى : انه لا يمكن حدوث التوافق بين عناصر العملية الاتصالية بدرجة 100% مائة في المائة.

الثانية : أنه أيضا لا يمكن أن ينعدم حدوث الاستجابة تماما بدرجة مائة في المائة أيضا .

أما انعدام حدوث التوافق تماماً، فهذا لأن هذه العناصر المتعلقة بالعملية الاتصالية تتدخل فيها ظروف وعناصر أخرى تختص بالنفس البشرية، أو إدراك الأشياء، أو عمليات التفسير وصياغة الأفكار وتلقيها .

وهذه العمليات تتعلق بكثير من الأشياء المعقدة والمتشابكة، والتي يتدخل في تفسيرها ومعرفة إبعادها كثير من العلوم كالاجتماع وعلم النفس وعلم الوراثة، ودراسة الأجناس، ونحو ذلك، ولا يمكن التعمق وراء كل مرسل أو كل مستقبل، للتعرف على ما يؤثر في نفسيته أو يتحكم في عقليته أو مدى وكيفيه إدراكه وفهمه للأشياء، حتى نستطيع الوقوف على كيفية فهم المرسلين جميعا، لإمكان صياغة رسائل إعلامية متوافقة مع الجمهور ومع الوسائل، ووسائل متوافقة مع الرسائل ومع الجمهور. 

ولا يعني هذا من ناحية أخرى عدم الاجتهاد في التعرف على هذه الأشياء ومراعاتها ولو بقدر أو نسبة معينة، وإنما لابد من التعرف على الخطوط العريضة أو السمات المميزة للمجتمع و أفراده وأوقات الاجتماع أو المشاهدة المفضلة لديهم إجمالا، أما تفصيلا فهذا يتوقف على مزاج كل فرد، وهذا شيء يستحيل فهمه على الشخص ذاته في بعض الأحيان، فكثير من الناس يعلمون أنهم متضايقون، أو يعربون عن قلقهم أو ضيقهم أحيانا، لكنهم لا يستطيعون معرفة سبب ذلك .

ويعني هذا أن التوافق يمكن أن يحدث بين عناصر العملية الاتصالية، ولكن بنسبة معينة، ليست مائة في المائة، وليست صفرا في المائة، فهي لا تحدث تماما كما ذكرنا لتعلقها بالنفس البشرية في كثير من أطرافها، والنفس البشرية لا يمكن تقنينها أو وضع قانون يحكمها بصفة قاطعة، كما يحدث للماديات، وهي أي عملية التوافق لا تكون صفرا في المائة، لأنه لولا حدوث درجة معينة من التوافق من حيث المبدأ لما بدأت العملية الاتصالية ولما استمرت، هذا القدر من التوافق الذي تبدأ به العملية الاتصالية، قد يكون نتيجة للظروف المحيطة، أو للوجود في مكان في مكان واحد ؛ أو وجود الهدف ذاته، أو نحو ذلك بما يؤدي إلى وجود نسبة ما من التأثير .

وبقدر حدوث نسبة التوافق بين أركان العملية الاتصالية، بقدر حدوث التأثير، بقدر حدوث الاستجابة أو رد الفعل، فمثلا إذا كان التوافق بين أركان العملية الإعلامية بدرجة أو نسبة 30% تكون الاستجابة بنفس النسبة 30% وهكذا تزيد نسبة الاستجابة وتنقص بناء على حدوث التوافق بين أركان عملية الاتصال الإعلامية، وفهم المرسل والمستقبل لبعضهما وللرسالة والوسيلة. 

وهنا نجد أن الرأي العام يلعب دورا فعالاً في عملية حدوث هذا التوافق، فمعرفة الرأي العام السائد إزاء أي قضية من القضايا يؤدي إلى تحديد المضمون الإعلامي الذي يصوغه المرسل وفقاً لذلك، والى تحديد الوسيلة الملائمة أو المناسبة للرسالة، ويؤدي إلى معرفة الجمهور ورأيه، الايجابي أو السلبي أو الثائر أو الساخط أو الرأي حول قضية ما، أو موضوع ما، وهذا يحدد شكل الرسالة، وشكل الوسيلة المناسبتين للرأي العام السائد لدى الجمهور، والمناسبتين لبعضهما ( الرسالة والوسيلة ) للجمهور في الوقت ذاته، وهذا بدوره يؤدي إلى نجاح عملية الاتصال الإعلامي .


2- الرأي العام يحدد شكل الرسالة الإعلامية:


تختلف الرسالة الإعلامية، باختلاف الموقف المستخدمة فيها، فحينما تتحدث في مؤتمر صحفي تكون الرسالة الإعلامية هي الكلمات والبيانات، والإجابة على الأسئلة، وللرأي العام دور في تحديد ذلك. وحينما تأخذ الرسالة الإعلامية شكل الاتصال عن طريق الرسائل المطبوعة، فان لها أشكالا تنشر بها في الصحف أو المجلات، تتنوع من الخبر إلى الحديث إلى التحقيق الصحفي، إلى التقرير إلى الشرح والتفسير إلى المقال إلى غيره من فنون التحرير الصحفي المكتوب والمصور، وللرأي العام دور في تحديد ذلك.
وفي الرسالة الإعلامية المسموعة والمرئية، يلعب الرأي العام دوره أيضا في تحديد شكلها، وحجمها ووقت إذاعتها، وكيفية تصويرها، وما يتدخل فيه من مؤتمرات أو مونتاج أو دوبلاج إلى غير ذلك.


أ - الرأي العام والرسالة الإعلامية الشفوية:


تستخدم الرسالة الإعلامية الشفوية في أشكال الإعلام البسيطة، وبخاصة في هذا العصر الذي أصبح الإعلام فيه يتسم بالجماهيرية، ويستخدم وسائل الإعلام الحديثة، كما يستخدم كل جديد يجعل المضمون الإعلامي يصل إلى اكبر قدر ممكن من الجماهير المستقبلة، في كل مكان.

ولم يعد من أشكال الاتصال الشفوي في مجال الإعلام سوى المؤتمرات الصحفية، التي يجتمع فيها الصحفيون حول المصدر للاستماع إلى بيان يلقيه، ثم مناقشته فيه، أو سؤاله حول موضوع أو قضية معينة، لإلقاء الضوء عليها، أو للاستفسار عن جهاز أو إنتاج جديد، أو نحو ذلك.

هذه المؤتمرات الصحفية تعتبر أحد أنواع الإعلام التي لا يشعر الكثيرون بأهميتها، لأنها تنقل إليهم عبر وسائل الإعلام، مع التركيز على القالب الفني الذي تنقل فيه من حيث الشكل من ناحية، وعلى المضمون الوارد بها من ناحية أخرى، وبالرغم من ذلك فهي شكل إعلامي مهم له تأثير على الرأي العام، كما أن للرأي العام تأثيره عليه.

فإذا كانت هذه المؤتمرات تبصر الرأي العام بحقيقة موقف معين، أو قضية معينه، أو تلقى الأضواء أو تقدم التبريرات أو الشروح والتفسيرات لشيء معين، فإنها بذلك قد تغير وجهة الرأي العام، أو تعيد تشكيله مما يؤثر عليه بصورة أو بأخرى.

ولا يخفى أيضا تأثير الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية الشفوية، في حالة المؤتمرات الصحفية أو إلقاء البيانات أو الخطب، ذلك أن المظهر الذي يعبر الرأي العام به عن نفسه ايجابيا كان أو سلبيا، يحدد مدى أو كيفية إلقاء البيان، وطريقته، وشكله من حيث الطول أو القصر، ومن حيث إتاحة الفرصة للمناقشة، أو اختصار الموضوع على إلقاء بيان معين.

فإذا كان الرأي العام يعبر عن سخط الجماهير فان هذا يؤدى إلى تحديد شكل الرسالة الشفوية الإعلامية، في صورة مبسطة تعبر عن كشف الغموض حول موضوع معين، أو تبرير سلوك معين، أو محاولة احتواء الموقف أو استرضاء الجماهير، حتى يمكن استمالة الرأي العام.

ويختلف ذلك في حالة ما إذا كان الرأي العام يعبر عن رضا الجماهير، فان شكل الرسالة الإعلامية الشفوية هنا تقدم في صورة أكثر إشراقا، كما أن الفرصة تتاح للنقاش وإلقاء الأضواء على جوانب مختلفة ومتعددة، لتقديم وشرح وجهات النظر، كما أن هذا يؤدي بدوره إلى التطرق إلى كثير من الموضوعات التي تثيرها أسئلة الصحفيين للمصدر، وبالتالي فان المصدر يكون أكثر استجابة وقبولا.

وهذا يوضح أن الرأي العام يلعب دوراً فعالاً في شكل الرسالة الإعلامية الشفوية، التي حتى وان كانت بسيطة في معناها إلا أن لها دوراً لا يمكن إغفاله.


ب- الرأي العام والرسالة الإعلامية الجماهيرية:


تتنوع الرسالة الإعلامية الجماهيرية وتختلف من الرسالة المطبوعة إلى الرسالة المسموعة إلى المرئية، وكل وسيلة تستخدم الرسالة التي تناسبها من ناحية، كما أن كل رسالة بدورها تتحكم في الوسيلة التي تناسبها من ناحية أخرى، ولابد من التوافق إلى حد مابين الوسيلة والجمهور.

ويلعب الرأي العام دورا مؤثرا في الرسالة الإعلامية الجماهيرية، من حيث تحديد شكل ومضمون الرسالة الإعلامية، وهنا تتحدث عن أهميته في تحديد الشكل.

فإذا كان هناك كثير من العوامل التي تلعب دورا هاما في تكوين الرأي العام، ومن هذه العوامل الإعلام والدعاية، فان الرأي العام لا يتأثر بالعوامل المكونة له فقط، وإنما يؤثر فيها أيضا، وهذه العوامل المكونة للرأي العام، ومنها الإعلام، لا تعمل منفردة في المجتمع، وكل عامل من هذه العوامل جدير باهتمام الباحثين، ودراسة أثره على كل من المجتمع المحلي أو القومي أو الدولي، أو غيره من أنواع الرأي العام التي تعرضها لها.

ومما يدل على أهمية الرأي العام قي تحديد شكل الرسالة الإعلامية ومدى تفهم المستقبل لها، أن المستقبل لا يميل إلا إلى الشكل الاتصالي الإعلامي الذي يتناسب مع ميوله وأهوائه، ومن هنا كانت أهمية دراسات الأوقات المفضلة للاستماع، والتعرف على الألوان الأكثر جاذبية لدى المشاهدين، والوقوف على الدراسات النفسية الخاصة بالقراءة واتجاه العين، والأوضاع الأكثر راحة للقارئ، تلك النظريات التي تبني عليها كلها أسس رسم الأشكال الاتصالية سواء مطبوعة. وتتمثل في عمليات الإخراج الصحفي ورسم الماكيتات، أو مسموعة وتتمثل في المؤثرات الصوتية واختيار الموسيقى وطرق وكيفية الأداء ونحو ذلك، أو مرئية وتتمثل قي اختيار المشاهد والألوان والإخراج والديكور والإضاءة، والطرق الفنية المختلفة في اختيار اللقطات المكبرة أو الجانبية أو الخلفية، أو مزج الصور مع بعضها. أو تركيب أكثر من صورة لإعطاء خلفية للتركيز على مشهد في الحاضر أو التذكير بمشهد في الماضي، أو الإيحاء بشيء في المستقبل، وكل ما يحدث من ذلك، من عمليات فنية إبداعية متطورة ومتجددة دائما، هذا التطور وهذا التجديد يتم بناء على دراسات الجماهير واتجاهاتها، وآرائها، وهذا يدل على أهمية الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية الجماهيرية.

وبصفة عامة لابد من تقدير قيمة الرأي العام في تحديد أشكال الاتصال الإعلامي وعند وضع الأسس الخاصة بذلك، ورسم خرائط البرامج، والتخطيط للإذاعات والصحف، أو التخطيط الإعلامي بصفة عامة، حيث أن الاعتراف بأهمية الرأي العام، دليل على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وفي ذلك يذكر بعض الإعلاميين أن أولئك الذين لا يعترفون بالرأي، وبقدرة الجمهور على تكوين رأي، لا يعترفون برأي رجل الشارع والجماهير الشعبية، وبأن الجماهير والأفراد على قدر من الذكاء بحيث يستطيعون اتخاذ مواقف واعية ومفيدة إزاء القضايا السياسية والاجتماعية.

وكان (وليم ريفرز) من الذين نبهوا إلى ما أسماه بالتعرض الانتقائي والاختيار الانتقائي والحجز الانتقائي في العملية الإعلامية.
وقد أشار ريفرز إلى أهمية رأي الإنسان في التعرض لأشكال الاتصال الإعلامي، وتلقيه لها، وإذا كان رأي الفرد يتحكم بصورة أو بأخرى من ذلك، فان الرأي العام له أهمية كبرى في مراعاة الشكل الذي يجب أن يعرض به المضمون الإعلامي، من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية.

ويرى ريفرز أن الإنسان في حالة تعرضه للمعلومات الجديدة التي تعرض عليه، يمر بثلاثة مراحل، المرحلة الأولى هي التعرض الانتقائي.

في مرحلة التعرض الانتقائي فان الفرد خلالها يكيف تفكيره بما يمكنه أن يرفض المعلومات التي لا تتفق مع نظرته للحياة، ولقد ثبت في كثير من الأحيان، ومن خلال بعض الأبحاث الميدانية أيضا، أن الفرد من المحتمل ألا يعرض تفكيره إلا للمعلومات التي تدعم آراءه ولا تتعارض معها، وفي مرحلة الإدراك الانتقائي يميل الفرد إلى إدراك ما يود أن يدركه فعلا، مما يعرض عليه من مواد إعلامية، وقد أكد بعض علماء النفس أن عملية الإدراك الانتقائي هذه حقيقة ثابتة. وفي المرحلة الثالثة التي هي مرحلة أو عملية الحجز الانتقائي، نجد أن معظم الناس يتذكرون المواد الإعلامية التي تدعم وجهات نظرهم، في الوقت نفسه الذي يحاولون فيه نسيان المعلومات التي تتعارض مع آرائهم.

وترتبط عمليات التعرض الانتقائي والإدراك الانتقائي بشكل المادة الإعلامية، سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو مرئية، بينما ترتبط المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الحجز الانتقائي بالمضمون الإعلامي للمادة الإعلامية، وذلك لأن التعرض و الإدراك مرحلتان تحدثان في البداية، منذ أن تقع عين الإنسان على المادة الإعلامية، أو تسمعها أذنه، وذلك يتم من خلال الشكل، لأن المخيلة أسرع في التقاط الصورة أو الموسيقى أو الرمز، أكثر من الكلمات أو المضمون المكتوب، وهذا يدل على أهمية مراعاة الرأي العام عند تحديد أشكال الاتصال الجماهيري، من حيث الشكل قبل المضمون، حتى يمكن أن تتلاءم مع أفكار الفرد، فيتعرض لها ثم يدركها، أما الحجز فيتم بعد التعرض والإدراك والتفكير، ثم يحتفظ الفرد في ذاكرته بما يتلاءم مع اتجاهاته.

ويرى الدكتور إبراهيم إمام أن الاتصال الجماهيري يقوم بوظيفتين: استخلاص الرأي، وحمايته، ويوضح أن الاتصال الإعلامي يجب ألا يقوم فقط بوظيفة التأثير على الرأي العام، وإنما لابد من أن يكون مبنيا على أساس من الرأي العام والاهتمام به، حيث يذكر أن (( الاتصال يتخذ ثلاثة مسارات، أولها الاتصال الهابط من القيادات إلى القواعد، وهو يشتمل على التوجيهات والتعليمات والبيانات والتفسيرات وغيرها، ثم هناك الاتصال الصاعد من الجماهير الى القيادات، وهو يشتمل على الملاحظات والشكاوي والخطابات التي يمثل التيار الأفقي، الذي يسرى بين فئات الجماهير قي مستوياتها المختلفة.

ويذكر أيضا أن هذه التيارات جميعاً، لابد وان تتفاعل وتتسق اتساقا متكاملا، مما يساعد على تكوين الرأي العام، وعندما تؤكد وسائل الاتصال بالتعاون مع التنظيم السياسي الذي يصل بين القيادات والجماهير أهداف الأمة وقيمتها فإنها تهيئ الجو لتربية الشعب تربية سياسية سليمة.

وعل ذلك فعملية الاتصال هنا في جانبين منها أو مرحلتين تقوم على الرأي العام وهي المرحلة الصاعدة والمرحلة الأفقية، أما المرحلة الهابطة، فإنها تهتم بتوجيه الرأي العام، ولابد لحدوث ذلك من التعرف عليه، وقيام هذه المرحلة أيضا من هذا المنطلق.
ولو انتقلنا إلى الأشكال الأكثر شيوعا بين الجماهير من أشكال الاتصال الجماهيري، لوجدنا أنها الراديو والتلفزيون والصحافة، وهذه الوسائل الإعلامية الجماهيرية تهتم في تحديد إطار أشكالها الاتصالية بالرأي العام وما يتقبله، اهتماما لا يكاد يخفى على أحد، فما إخراج البرامج وما يصاحبها من عمليات فنية، وما الأشكال التحريرية والقوالب الصحفية، وما يبذل فيها إلا مراعاة للرأي العام، وبتأثير منه، ومن وحي ما يفضله وما يتقبله.

وأما وسائل الإعلام المسموعة والمرئية الشائعة، وهي الراديو والتلفزيون فان رسائلها الإعلامية، على اختلاف مضامينها وتنوعها، فإنها تتخذ أشكالا جذابة، مؤثرة، ذات مستوى عال في الكفاءة والأداء، مستخدمة في ذلك الرسائل الحديثة والمتطورة، والتي تتقدم وتتغير باستمرار، بناء على الدراسات والأبحاث الخاصة بالرأي العام وما يفضله، وبذلك يلعب الرأي العام دوره في تحديد الأشكال الاتصالية الإعلامية المسموعة والمرئية، من خلال الحرص على أن يتعرض لها، وحتى يدركها ويتقبلها، وحتى تظل في ذاكرته، وبالتالي تؤثر فيه، ومن هذا تتضح أهمية الشكل الخاص بالرسالة الإعلامية إلى جانب المضمون، فلو أن الأشكال الاتصالية الإعلامية الجماهيرية لم تكن متمشية مع أذواق الرأي العام، فلن يتعرض لها، وبالتالي لن يتعرض لمضمونها، ولن يتأثر بها، وبهذا تكون المهمة الإعلامية قد فشلت منذ بدايتها.

فالإذاعة الصوتية والمرئية- كما يقول خبير التلفزيون ( مارتن اسلين)- بالنسبة للكم والكيف تستطيع أن تصبح على الأقل الفن الشعبي العظيم، للإنسان الحديث، ذلك أن الكمية الهائلة من المواد التي تنتجها، والعدد الضخم من الشعوب التي تخاطبها تضفي عليها طابع الفن الشعبي القائم على مطالب الجماهير، لا على أذواق الصفوة المختارة.

وهذا يدل على مدى مراعاة أذواق المستقبلين،القائمة على دراستهم المتكررة والمتتالية، لتحديد شكل البرامج أو المسلسلات، أو القوالب الفنية الإذاعية، التي نصب فيها المضامين التي نريدها أن تصل إلى هذه الجماهير، مما يلفت النظر إلى متابعتها بداية، ثم التعرض لما فيها، وإعمال الفكر فيها، مما يدفع إلى التأثير وبالتالي الاستجابة، وهو الهدف من الإعلام في حد ذاته.

ويحدث الشيء ذاته في الصحافة، فالصحافة، كما يعلم القائمون على أمرها، أنها مع كونها أكثر قدما من الإذاعة بشقيها المسموع والمرئي، ومن الوسائل الأخرى كالسينما والمسرح، إلا أنها قد تأثرت بهذه الوسائل ولو بنسبة قليلة، كما أنها مادة مقروءة، أي لابد من الإلمام بالكتابة والقراءة لإمكان قراءتها، وأيضا مع ذلك فالمادة المكتوبة ثقيلة على النفوس أكثر من المادة المسموعة أو المرئية، وذلك مع ما لها من مميزات، مثل البقاء وإمكانية العودة إليها، وتعدد فرص الاستفادة منها.

وأمام ذلك كان على الصحافة والصحفيين أن يدركوا أنهم أمام موقف ليس بالسهل، وهو كيفية جذب القراء، والمحافظة على ذلك، لإمكان ضمان الاستمرارية لصحافتهم وعدم فقدهم لجماهيرهم.

ولتحقيق ذلك كانت دراسات الرأي العام والاستفادة منها في تحديد أشكال التحرير الصحفية الأكثر أفضلية لدى القارئ، والتي تجعل الرسالة الإعلامية الصحفية وقراءتها أكثر تأثيراً، ومن هنا تطور الفن الصحفي.

والصحافة بعد أن أصبحت صناعة من أهم الصناعات الضخمة يهمها إلى جانب رسالتها، الوصول إلى هذا العدد الضخم من القراء نظراً للتكاليف الباهظة التي تتكلفها الصحيفة اليومية الكبيرة، ومن اجل ذلك لابد أن تتعرف الصحيفة على أسباب اجتذاب الجماهير، أو القراء، فهل لكي تجتذب جمهورا كبيرا من القراء، ينبغي أن تعنى بالناحية الفنية، والمادة الترفيهية أكثر من المادة الجادة.

ولكي تفعل الصحيفة ذلك، أي أن تصل إلى اكبر عدد من القراء، بالطبع ليس الحل الأمثل أن تهتم بالجانب الترفيهي على حساب المادة الجادة، وإنما كان الحل، هو تقديم المادة الجادة في شكل فني جذاب يرضي أذواق الجماهير، ومن هنا كانت أهمية فن الإخراج الصحفي.

ويهدف فن الإخراج الصحفي إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي: الارتفاع بالإنقرائية، وهي قابلية الصحافة لكي تكون مقروءة في يسر وسهولة، دون أي عائق، وعرض الموضوعات المختلفة بطريقة تتفق مع أهميتها سواء بالنسبة لحجمها أو عناوينها أو ترتيبها في أجزاء الصفحة الواحدة، وكذلك تصميم الصفحات بأساليب جذابة ومشوقة، ومحققة للمعاني المستهدفة، على أن يتم ذلك كله بطريقة مدروسة تضفي على الصحيفة سمات محددة تكوّن شخصيتها، وتميّز ملامحها، فيعرفها القارئ من أول وهلة، ويكّون معها ما يشبه الصداقة أو الألفة، حتى انه يؤثرها على غيرها ولا يرضى عنها بديلا.

وبالطبع فان هذه الأهداف الخاصة بالإخراج الصحفي لا تتحقق إلا بناء على دراسة عقلية القارئ ونفسيته وسلوكه البصري أثناء القراءة، إلى جانب معرفة أوقات القراءة المفضلة وكثرتها أو قلتها، لدى الجمهور، لتحديد شكل الموضوعات من حيث الطول و القصر، أي من حيث الحجم.

وفي ذلك يذكر الدكتور إبراهيم إمام أيضا أن الصحف قد درجت على سبر غور الرأي العام، وقياسه ومعرفة اتجاهاته، نحو الموضوعات المختلفة التي تنشر، ويذكر أنه لابد من تكرار عملية قياس الرأي العام واتجاهاته لتعديل السياسة الإخراجية، بناء عليها، ذلك أن أذواق القراءة تختلف وفقا لأعمارهم وفئاتهم وثقافتهم، فصحف الكبار تختلف عن الصحف الموجهة للأطفال، وصحيفة الطبقة العاملة، تختلف عن صحيفة الفلاحين، وتلك تختلف عن صحيفة الأطباء أو القضاة أو المثقفين، فقد تستخدم الرسوم الإيضاحية والرسوم و النماذج في صحيفة العمال أو الفلاحين، ولكن يمكن الإقلال من هذه العناصر في صحف المثقفين.

كذلك فان على المخرج الصحفي دراسة ومعرفة عادات الناس القرائية، ودراسة الألوان وتأثيرها النفسي، والارتباطات النفسية الخاصة بها، كما يجب أن يهتم بعلاقات كل هذه الأشياء بالنواحي الفسيولوجية لدى القراء.

من هذا يتضح لنا أن الرأي العام يلعب دوراً في تحديد شكل الرسالة الإعلامية، سواء في الإعلام الشفوي أو الإعلام الجماهيري، كما يؤثر الرأي العام في اختيار وسائل الإعلام وتحديد الوسيلة التي تناسب الرسالة المعينة، لإمكان إحداث التأثير المطلوب، وهكذا تتضح أهمية وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وتكوينه في إطار هذه العلاقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق